ألصقت وجهها بنافذة غرفة العمليات
ولم تستطع إيقاف فيض عينيها من أن يبلل زجاجها
لم تكن تتخيل أن تذرف دمعة واحدة شفقة عليه
هي لم تحبه يومًا
لكنها أيضا لم تكرهه
لم يكن لوجوده في حياتها أثر يذكر
فهي عاهدت نفسها منذ سنوات ألا تذكره برًا به وبنفسها
----------------------------------------------------------------------
كان شابًا شديد التمرد
يرفض القيود بكل أنواعها
لم يكمل دراسته الجامعية لأن أستاذًا في الكلية لم يعجبه
ربما كان زواجه نوعًا من التمرد على حياته
وربما كان محاولة للتخلص من تمرده
----------------------------------------------------------------------
التقطت أنفاسها بصعوبة بالغة وهي تنظر إليه بعد خروجه من غرفة العمليات
لا تستطيع أن تعرف كنه شعورها تجاهه الآن
فكل ما يشغلها هو الاطمئنان عليه
صراع شديد يموج بداخلها وهي تتذكر دخولها نفس الغرفة يوم عملية الزائدة
لم يزد عمرها وقتئذ عن عشرة أعوام
كلمة اطمئنان واحدة منه كانت تكفيها
لكنها لم تحصل منه إلا على التجاهل في أوقات حاجاتها إليه
------------------------------------------------------------------
عام كامل أصر فيه على أن يعطي زوجته كل ما يمكن أن تحلم به من السعادة
حتى وضعت له "مها" ثم فارقت حياتهما
ولعله لم يحتمل فكرة كونه أبًا لمخلوق صغير يعتمد عليه اعتمادا كليا
الكل وقتها كان يتسابق لرعاية الصغيرة التي حرمت من أمها قبل أن تراها
والكل تركها بعد أن كبرت قليلا
وتوقع الجميع أن تملأ "مها" حياة أبيها
وتعوضه عن حرمانه من أمها
--------------------------------------------------------------
في غرفة العناية المركزة يُسمح لها برؤيته لدقيقة واحدة
عشرون عاما هي كل ما تملكه من العمر
تمر أمام عينيها بسرعة تضاهي سرعة الضوء
تعتصر ذاكرتها
تبحث في كل خلية من خلاياها عن ذكرى تجمعهما فلا تجد
تقرر في داخلها أن تسامحه
تطلب إليها الممرضة أن تتركه ليرتاح
تخرج وفي عينيها نظرة دعاء لله أن يشفيه
------------------------------------------------------------
كأنه لم يستطع أن يغفر لها موت أمها
أو لعله أقنع نفسه بهذا ليبرر تركه المستمر لها في بيت أخته
كونه الوحيد في حياتها كان قيدًا يخنقه
كان يكره أن يُجر نحوها بسلاسل الأبوة
واكتفى بالإنفاق عليها
وتفقد أحوالها من بعيد
أخته التي لم تنجب كانت حلا مثاليا لرعاية ابنته
وكأن الله لم يزقها بأطفال لتكون مها كل حياتها
------------------------------------------------------------
أمام قاعة الأفراح توقف قليلا ليتأكد من هيئته
أفاق من المخدر
وسأل عنها لأول مرة في حياته
طلب إليها أن تسامحه
وأن تدعو الله أن يغفر له
أكبت على يديه تقبلهما بعينين دامعتين
وقلب يمزقه الألم
لم يكن من السهل عليها أبدا أن تسامح
ولم يكن - أيضا - من السهل عليها ألا تسامحه وهو في تلك الحالة المرضية
اكتفت بالدعاء له بالشفاء
وبنظرة حانية كانت أفضل من يعطيها لأنها أشد من فقدها
-------------------------------------------------------------------
أمام قاعة الأفراح توقف قليلا ليتأكد من هيئته
ويتأكد من توقف دموعه
يقبل جبينها قبل أن يضع يده في يد زوجها
"زوجتك ابنتي وحبيبتي فكن لها نعم الزوج "
---------------------------------------------------------------
يستيقظ من نومه على بكاء صغيرته ذات الشهور الثمانية
يحتضنها بشدة
ويقوم ليطعمها
ويطرد من رأسه هاجس تركها لأخته
فهو يطمع أن تكون له سترًا من النار
* أولى محاولاتي لكتابة هذا اللون القصصي.... فرفقـًا بالقوارير :)