الدجاج البلدي والدجاج الأبيض
"عن المعرور بن سويد قال : لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألته عن ذلك فقال : إن ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية . إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم"
العصبية العربية التي كانت في جذور العرب وثقافتهم
قضى الإسلام عليها لكن بالتدريج
قال أبو ذر الغفاري لبلال ابن رباح " يا ابن السوداء"
موقف تظهر فيه العصبية العربية القبلية
وموقف ربى فيه النبي تربية نبوية راقية أثمرت بعد ذلك عن نتائج راقية
في كل كلمة من الحديث يظهر أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التربية قال له :
- يا أبا ذر ناداه باسمه كناية عن المزيد من التأنيب والتأديب وكأنه يقول له كيف وأنت أبو ذر أن تعيره بأمه
فبدأ بمناداته باسمه
- فيك جاهلية : فلم يصفه بالوصف الكلي بل في جزئية معينة ، لم يقل إنك امرؤ جاهلي وهنا تظهر الموضوعية في النقد ؛ فقد وصفه بقدر ما فيه من جاهلية ولم يعمم على كل أفعاله ، وهو بذلك يمهد له التخلص من تلك الصفة التي فيه بالإشارة إليها
وكثيرا ما نفتقد هذا في أيامنا هذه
فالتعميم آفة في الكثيرين
وعدم الإشارة إلى العيب تشعر الإنسان يعتقد أنه كله عيوب وتؤدي بهإلى طريقين كلاهما خاطيء
الأول : أن يلجأ لا إراديا إلى إثبات ذلك ( فتقول له أنت كاذب فيثبت لك أن فيه ما قلت )
الثاني : أن يعتقد أن كله عيوب وأنه لا أمل في إصلاح كل تلك العيوبفلا يعمل على إصلاحها لكثرتها
وذكر علماء النفس ما يؤيد طريقة تربيته صلى الله عليه وسلم فنبهوا الآباء ألا يقولوا للأبناء أنا أكرهك مثلا بل أكره منك أن تفعل ذلك
وكذلك ذكروا أن من الطرق الناجحة أن تذكر للطفل (أو للمتعلم) مميزاته وأنك تربأ به عن أن تكون فيه هذه المميزات ويفعل هذا الخطأ وهو ما نراه في معلم البشرية صلى الله عليه وسلم
ونأتي بعد ذلك لثمار التربية الراقية
التي جعلت أبو ذر - وهو من كان يقطع القافلة وحده قبل الإسلام- يتصرف في اتجاهين :
تصرف سريع : وضع أبو ذر الغفاري رأسه على الأرض وأقسم ليطأن بلال عنقه
تربية لنفسه على ما صدر منه
وهذا لا يعني أنه تغير من داخله لكن استجابته كانت سريعة وكان له بعدها
تصرف على المدى الطويل : فكان لا يرى بعد ذلك مع خدمه إلا لابسًا كما يلبسون ويأكل مما يأكلون
ولو تأملنا الحديث لوجدنا أنه حتى لم يقل إني ساببت بلال بن رباح بل قال إني ساببت "رجلا" حتى لا يكون في ذلك جرحا لمشاعره
(النفس البشرية كالدجاج البلدي يأخذ وقتا في التربية لكن طعمه وفائدته كبيرة ومرقه مفيد إذا صبرت على تربيته فلا يمكن أن "تعلف" النفس بالأخلاق
أما الدجاج الأبيض فإنه يسمن بسرعة ولا يحتاج ذلك الوقت لكن ليس له نفس الطعم ولا الفائدة ولا مرق له )
ما أحوجنا لمثل هذه التربية