التعصب لأهل أو عشيرة أوجنسية أو قبيلة أو حتى "منتخب"
لم يكن فقط سببا لنزاعات قبلية
أو حروب أهلية
لم ينتج عنه فقط حروب استمرت لأعوام
وقتلى بالمئات
بل بالآلاف على مر العصور
ولم تكن فقط سببا في هلاك دنيوي
بل كانت سببا في هلاك أخروي
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ في بئر ففارت
وأن مسيلمة الكذاب توضأ من بئر فغارت*
وتفل النبي صلى الله عليه وسلم في عين علي المريضة فبرأت
وتفل مسيلمة في عين أعور فعميت السليمة
النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف عليه كذب قط
ومسيلمة كانت كل الدلائل تنطق بكذبه وافترائه وادعائه
فكان من غير المعقول بحال من الأحوال مع كل تلك الشواهد أن يُكذَّب النبي ويُصدَّق مسيلمة
الذين اتبعوا مسيلمة يعلمون أنه كذاب لكن اتبعوه عصبية
وكذبوا النبي - مع علمهم بصدقه - عصبية
عصبية جعلت أحدهم - وهو طلحة النميري- يقول :
((( أشهد أن محمدا لصادق وأن مسيلمة لكذاب , ولكن كذاب ربيعة أحب إلى من صادق مضر )))
وجعلت مسيلمة الكذاب نفسه بعد أن أسلم يدعي النبوة فقد نازعته العصبية إلى كسب مجد لقومه.
العصبية -كذلك - كانت سببا في كفر أبي جهل واتباعه للباطل مع علمه بالحق
فكل ما كان يمنعه من الإيمان هو العصبية فقط
يقول أبو جهل :
تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف، فأطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه.
هذا ما يمكن أن توصل إليه العصبيةوهذا ما يمكن أن ينتج عنها
فكم من شخص يدير شركة ما ..وتقدم لوظيفة لديه شخصان ..فعين الذي من أسرته أو من عائلته أو من بلده مع أن الآخر أكثر خبرة أو كفاءة
كم من رجل أمن أجار الذي من شيعته على الذي من عدوه رغم أن الحق مع عدوه
ولهذا كان أول ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار
حتى كان الواحد منهم يقسم ماله نصفين ويعطي نصفه للمهاجري ويكون النصف المأخوذ منه أحب إليه من المتروك له
وحتى كانوا يتوارثون قبل نزول الآية
لكنهم مع هذا بقيت فيهم تلك الآفة
مترسبة في عقولهم
فظهرت عند النزاع
جاء في صحيح البخاري أنه في أثناء العودة من غزوة بني المصطلق بينما المسلمون يسقون من بئر تزاحم على الماء جهجاه بن مسعود -غلام عمر بن الخطاب- مع رجل من الأنصار اسمه سنان بن وبرة حليف الخزرج، وتضاربا و تشاجرا فَقَالَ الأَنْصَارِىُّ يَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ
فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَابَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةٍ ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ " وفي رواية دعوها فإنها خبيثة
ولم يصف النبي صلى الله عليه وسلم شيئا في حياته بأنه "منتن" أو "خبيث" إلا تلك الدعوى
التي حرص على تذكيرهم بأنها دعوى "الجاهلية"
مع أن " يا للأنصار و يا للمهاجرين " أوصاف يحبها الله ورسوله ، فإنَّ الله عز و جل سمَّى المهاجرين بهذا الاسم ،وهو الذي سمى الأنصار بهذا الاسم فقال : (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ )) ومع ذلك لما أصبحت الدعوة هنا على غير حقٍ تعصب للباطل، أصبحت من دعوى الجاهلية."
الإسلام لا يمنع أن يحب المسلم بلده ووطنه الذي عاش فيه وتربى ، لكن المنكَر هو عقد الولاء والبراء عليه ، وجعل المحبة والبغض بسببه ، فليس من ينتمي إلى بلدك وينتسب إليها بأقرب إليك من المسلم في بلادٍ أخرى ، فلا ينبغي أن يكون سبب الموالاة والمعاداة هو الانتماء للوطن أو عدم الانتماء له ، بل الولاء والبراء ، والحب والبغض ميزانها جميعاً : الإسلام والتقوى .
كل الكلمات تقف عاجزة أمام ما يحدث بين مصر والجزائر
تبقى مكتوفة الحروف عن وصف مشاهد ترويع المصريين الآمنين في الجزائر
وعن مشهد الحافلة التي ضربت بالحجارة وأصيب من فيها
وعما يبثه الإعلام من تناقض وتحيز
فقناة عربية لاتذكر شيئا عما حدث للمصريين رغم وجود دلائل عليه وصور تؤكده
وتذكر ما لا دليل عليه من مقتل جزائريين على أيدي مصريين
وضرب حافلة منتخب الجزائر وإصابة لاعبي الجزائر
ويبقى ما يحدث من تصعيد إعلامي "مجهول السبب"
انشغال تام بالمباراة وما قبل المباراة وما بعد المبارة
وحديث متصل لا ينقطع ولا ينتهي والمحصلة لاشيء
حتى قبل المباراة التي أقيمت في مصر
من البداية لم يتعامل الجانبان مع المباراة على أنها مجرد "مباراة" لكرة القدم بين فريقين
وليست حربًا بين البلدين
ولم يتركها أحد مع تأكدهم من أنها "منتنة"