Thursday, July 22, 2010

اللوحة

كأن قوى خفية تجذبني إلى تلك اللوحات ، أقرأ سطورها وبين السطور بسرعة ومهارة دون أن أبذل في ذلك جهدا يذكر ،كل إطار يحكي لي حكايته ولا يأتمن عليها سواي 
في الصورة ... كانوا يجلسون على مقاعد تراثية الشكل بهت لونها الذهبي لكنها مازالت محتفظة بقيمتها ورائحة الماضي التي تعطر كل الأنوف بالحنين 
تلك كانت أول مرة أراهم دون أن أكون في وسطهم ، الآن يمكنني أن أراهم بوضوح ، أراهم جميعا في وقت واحد دون تشويش 
صاحب الشقة .. رجل في الثلاثين من عمره ، متوسط الطول ، يلبس عباءة بنية اللون تعطيه مظهر "ذوي الأملاك" الذين كان يوما واحدا منهم .
لا يمكن أن تتخيل قدرته على التفرع إلى سبعة موضوعات مختلفة من موضوع واحد يحكيها كلها بأحداثها وأدق تفاصيلها وتفاصيل الأحداث والظروف المجاورة لها دون أن ينسى ما كان الموضوع الأصلي الذي جره لكل تلك الحكايا 
عندما كنت معهم كان يصعب علي أن أفهمه ، تتشتت أفكاري مع تشتت موضوعاته وتتبعثر مع زيادة التفاصيل حتى لا تعود الخيوط تجتمع لتكون نسيجا واحدا ، 
تختلف الرؤية كثيرا الآن فأنا أعرف أين بدأ 
كان يتحدث عن المشاجرة التي حدثت بين أخته وزوجها فقاده ذلك إلى الحديث عن مشاجرة كان قد خاضها مع أحد جيرانه وأدت به إلى القسم ، فحكى ما رآه في القسم من مشكلات بين أزواج وزوجات وقص عليهم حكاية الرجل الذي طلق امرأته ثلاث مرات قبل أن يتم العقد وذهب يبحث عن حل شرعي للمسألة فأقنعه صديقه بأن يتزوجها "له" يومين ويطلقها لكنه عندما عرف أن الطلاق لم يكن واقعا من الأساس لأنها لم تكن زوجته ليطلقها ضرب صديقه هذا (علقة موت) ليطلقها .. وكيف أنه بعد ما رآه في القسم لم يعد يريد أن يدخله حتى لو كان صاحب حق ... وكيف أنهى خلافه مع جاره وتصالح معه لأن الدنيا "لا تسوى" وأن الخلافات مهما كانت فهي لا تستحق وأنهى جولته القصصية بنصيحة لزوج أخته بأن (يكبر عقله) ولا (يكبر الموضوع) 

غريبة قدرته على أن يحتفظ بمسار الأفكار ويعود لنقطة البداية بحرفية عالية دون أن تلحظ أنت أنه حكى لك قصصا تفوق مسلسلات رمضان في عدد حلقاتها ..

في مواجهته تماما كانت تجلس أخته متأملة حوض السمك الذي كان بجوارها ، غير مبالية بما يقوله أخوها أو زوجها فهي تعرف نهاية الجلسة : كلمتي صلح تقوم بعدهما بتقبيل رأس زوجها ويقبل هو رأسها وتتردد عبارة "صافي يا لبن" عدة مرات قبل أن يأخذها ويعودان معا إلى البيت ، لم يسترع انتباهها غير تلك السمكات الجميلة الملونة ، التي حكم عليها جمالها بأن تبقى حبيسة حوض زجاجي بعيدا عن موطنها الأصلي

كانت شابة جميلة تحمل في عينيها الكثير من الغموض والشجن ، لم تكن سعيدة كما كان يبدو عليها بل كانت تحاول أن تظهر - ولو لنفسها- أنها سعيدة 
"وحيدة" .. كلمة تصفها ببراعة ؛ فلم يكن أحد إلى جوارها حتى زوجها الذي كان يكبرها بعشرة أعوام كاملة ، كيف رضيت أن أتزوج به ! أين كان عقلي وقتها ؟ ... لو لم أتزوجه لكنت الآن حبيسة جدران هذا البيت تماما كالسمكات الملونة إلى جواري ، لكنني اخترت زنزانة أرحب ، زنزانة اخترت كل أثاثها بنفسي ، ولونت جدرانها على ذوقي ، وأملك - أو أحاول أن أملك - مفتاحها ، مع سجان يحبني ..أعرف أنه يحبني ولكن حبه عبء أحمله فوق رأسي وأتمنى أن يريحني منه ، عائلتي لن تقبل الطلاق تحت أي ظرف ، وحياتي "السعيدة" ستقف حاجزا يدعم رفضهم ويزيده صلابة ، أنا لست ضعيفة لكن أقوى الجيوش يهدها طول الحرب وأنا عشت في حرب أطول من حرب البسوس ، لم أعد أحتمل المزيد ، ما به زوجي ! أليس (أرحم) من أبي ! 
كفت عن الاسترسال في أفكارها أكثر من ذلك عندما انتزعها من وسط أسئلتها سؤال ألفته منذ ولادة ابنتها الكبرى ولا يزال يتردد حتى بعد أن أصبح عمر أصغر بناتها أربع سنوات ، " متى تأتينا بـ (ولي العهد) ؟ ... هي لا تعرف أي عهد هذا الذي يريدون له وليا ، ومن أين يأتون بذاك الـ(ولي) الذي تزوج أخوها من أجله عدة مرات فأصبح عنده ست بنات من زوجاته الثلاث ، لكنها سئمت الحديث ، ملت من محاولات شرح الموضوع وسرد الحقائق وإيراد الشواهد لأنهم لا يقتنعون أبدا إلا بما في رؤوسهم ، ردت بإجابتها المعهود بابتسامة مصطنعة " ربنا يكرم " 


10 comments:

ستيتة said...

حلوة قوي
واقعية قوي
مؤكد دي نفس القعدة اللي قعدها المذيع قبل ان تعود اليه زوجته بكلمتي صافي يا لبن
ولأن لبن اليومين دول مغشوش
مكنش صافي ولا حاجة
فاضطر أخيرا وليس أخرا انه يصفي دمها
بس سيبك من لتي وعجني
السرد تحفــــــــــــــــــــــــة

إيمان said...

بجد تحفه
تحفه في السرد
وتحفه في الموضوع
وتحفه في الاحساس اللى اتنقل بأبسط الكلمات
أيييييييييه الحلاوه دي

Anonymous said...

ممتعه موضوعا واحساسا وسردا :)

يحدث هذا كثيرا ... نفس الاحداث ولكن كلماتك اتت بعمق جديد للقصه :)

تحياتي

sony2000 said...

بجد قصه جميله جدااااااااااااااااااااااااااا:)

يــوم جــديد said...

ستوتي حبيبتي اللي ما شفتهاش من أيام أسطول الحرية :)
بستنى تعليقك جدا على فكرة
مش اللبن بس اللي مغشوش يا سوتايتة
الحياة نفسها بقت مغشوشة

تسلمي لي ويسلم لي كلامك ودماغك

يــوم جــديد said...

ايمانوفيتش :)

أنا مش مصدقة عيوني
أم حمزة بحالها عندنا يا مرحبا يا مرحبا
لأ وايه مش موجودة بس
دي بتقول كلام جامد جدا وكبير علي جدا

عايزة أقول لك إحقاقا للحق واعترافا بالفضل إنك سبب في كتابة البوست دا
أنا كنت ناوية أكتفي بقراءة المدونات والتعليق هناك وخلاص على كده

وفكرت أكتب عن المحادثة اللي كانت بيني وبينك عن المدونة بس قلت لازم أستئذنك الأول

أنا بستأذنك أهو
موافقة ولا موافقة ؟ :)

يــوم جــديد said...

فتفت

ايه دا يا اخواتي النهاردة يوم سعدي وهنايا
أول 3 تعليقات ناس غاليين آخر 3 حاجات :)

على فكرة أنا بحب كتاباتك جدا
ولسه امبارح كنت بفتكر القصة بتاعة السحر اللي كان فيها إعدام للمحبين وبعدها بقى الإعدام للجميلات
كان بجد رائعة وعاجباني من جوانب كتير وبتقول كلام كتير

كان نفسي بس أفتكر أسماء الشخصيات :)

يــوم جــديد said...

sony2000

دا شرف لي انها تعجبك
منوراني يا جميلة
بس ايه بقى حكاية سوني دي ؟
دا دلع ولا له علاقة بالشركة اليابانية

ألاقي عندك راديو بابين :)

يا مراكبي said...

فلم يكن أحد إلى جوارها حتى زوجها الذي كان يكبرها بعشرة أعوام كاملة

لكنني اخترت زنزانة أرحب

كانت تلك العبارات علامات خلال القصة جعلتني أشعر تماما بأحاسيس تلك المرأه .. فهي ضحية مجتمع سخيف .. تطلب العون من أخيها بينما هو لا يختلف كثيرا عن سجانها أو زوجها .. كلهم نفس النوع

وللأسف هي مأساه لا زالت تتكرر حتى الآن

:-(

أحسنت في نقل المشاعر إلينا كما هي وكأننا في نفس الموقف الكئيب

dodda said...

اسلوب حلو
كلمات رشيقه احداث وافكار
بتقول ان فى حد جميل بيحاول يرسم
يوم وايام جديده ..
ربنا يحلى ايامك

لقطات

يقولون : ثلاثة لا تعود : زمن يمضي، وسهم يرمى، وكلمة تقال ولعل تلك الأخيرة من أكثر ما يؤثر فيَّ ليس فقط لأنها لا تعود لكن أيضًا لأنها تبقى ...